الأحد، 14 سبتمبر 2014

6.ثبوت الناسخ والمنسوخ وانكار القرآنيين له

ثم يقول منكر السنة : ويمكن أن نقسم مظاهر إلغاء الأحكام القرآنية- بدعوى النسخ- إلى مظهرين:
(1) إلغاء حكم آية بآية أخرى.
(2) إلغاء حكم آية بحديث أو برأى فقهى.
إلغاء حكم آية بآية أخرى:
بسبب عدم الفهم للآيات المتشابهة فى الأحكام فى الموضوع الواحد أسرعوا بإلغاء حكم بعضها وضربه بالأخرى تحت دعوى النسخ، ولم ينتبهوا للفوارق الدقيقة بين الآيات المتشابهة فى الموضوع الواحد، وكيف أنها تضع التفصيلات فى الأحكام لكافة الاحتمالات. [ تعليق البنداري : ومهما كان الأمر فأمثلة أحمد منصور لن تثبت إلا تباين المجتهدين في معاينة النسخ معاينة صحيحة ولم يثبت أحمد صبحي إلا حقيقة وجود النسخ فالإختلاف علي حدوث النسخ في مسألة لا يلغي أصل وجوده ، فيقول صبحي : ما لا يقدم في الأمر شيء أو يؤخر :  ونأخذ بعض الأمثلة للتوضيح.
(1) فى قوله تعالى: ﴿وَابْتَلُواْ الْيَتَامَىَ حَتّىَ إِذَا بَلَغُواْ النّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مّنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلاَ تَأْكُلُوهَآ إِسْرَافاً وَبِدَاراً أَن يَكْبَرُواْ وَمَن كَانَ غَنِيّاً فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَن كَانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُواْ عَلَيْهِمْ وَكَفَىَ بِاللّهِ حَسِيباً. لّلرّجَالِ نَصيِبٌ مّمّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأقْرَبُونَ وَلِلنّسَآءِ نَصِيبٌ مّمّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأقْرَبُونَ مِمّا قَلّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مّفْرُوضاً﴾ (النساء 6،7). قالوا إن الآية منسوخة- أى ملغاة فى الحكم بقوله تعالى ﴿إِنّ الّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَىَ ظُلْماً إِنّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً﴾ (النساء 10). ويرون أن قوله تعالى: ﴿فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ﴾ قد ألغاه التحذير من أكل أموال اليتامى ظلماً.
وذلك حمق فى التفكير لأن الآية الأولى أباحت الأكل بالمعروف للفقير الذى يكون وصياً على مال اليتيم ﴿وَمَن كَانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ﴾ أما الآية الأخرى فقد أضافت حكماً تشريعياً مترابطاً هو التحذير من أكل مال اليتيم ظلماً. والآيتان معاً تؤديان حكماً تشريعياً مترابطاً هو إباحة الأكل بالمعروف للوصى على اليتيم إذا كان فقيراً، مع التحذير من أكل مال اليتيم ظلماً وعدواناً. إذن لا تعارض بين الآيتين.. ولا مجال لدعوى النسخ بمعنى الحذف والإلغاء
.[
تعليق البنداري : لم يأت أحمد صبحي إلا بما قدمنا به من بيان عناصر النسخ فقد قلنا أن حدوث النسخ لا يكون الا بتوافر 4 شروط وعددناهم وأعيد سردهم :                                                           1_ تجانس الحكمين مع وجود أحدهما بالسلب والآخر بالإيجاب  ،
2_ تعارض مدلولي الحكمين  ، بمعني وجود مدلول يتعارض مع جزئه ، ويتحقق في أحدهما السلب وفي الآخر الإيجاب . 
3_ وجود عنصر التراخي الزمني وجوداً مؤكدا ، وهذا العنصر قد تحتم وجوده لنزول القرآن علي مكث منجماً ، وكان هذا العنصر سينعدم لو نزل القرآن جملة واحدة ،
4_ العلم المسبق بأن العملية الإيجابية للنسخ قد انتهت بإحكام الله تعالي آياته مع ارتفاع الوحي وموت ( رسول الله صلي الله عليه وسلم ) ولم يبق لنا إلا التحقق من المنسوخ بكتاب الله تعالي ليتطابق تكليفنا بالقرآن مع مراد الله تعالي من آيات القرآن ، وذلك ببذل الجهد في تحري تاريخ نزول الحكم وزمنه وإثبات التراخي الزمني بين الحكمين المتعارضين ؟  وأيما يكون الزعم : بادعاء النسخ فى المعنى وليس فى اللفظ، أو فى الحكم وليس فى النص.فلن يقدم هذا أو يؤخر من وجوب الإستمرار والإجتهاد في التحري من المنسوخ من آيات الله ، ولا يحق لنا أن نتألي علي الله تعالي بأن نحدد طريقة محوه لما يشاء من أحكام وليس لنا أن نقول لا ينبغي أو ينبغي إنما يكون تحققنا من النسخ بتحري تاريخ نزول الأحكام والتأكد من التراخي الزمني بين المتعارض منها علي أنه لن يدخل في عملية استيضاح المنسوخ من الناسخ تصوراتنا الشخصية وانطباعاتنا الذهنية حتي لا تتدخل الأهواء ، كما لا ينبغي زعم وجود تعارض بين أجزاء الحكم قبل عرض سياق الآيات علي تطبيق شخص رسول الله (ص) من خلال استعراض سيرته وعرض سنته الثابتة الصحيحة ، ولما كانت سيرة النبوة وسنته (ص) من أهم ما سيدلنا علي أكثر مسائل النسخ فقد نحا أحمد صبحي نحو إنكارها والزعم بتأليفها وهيهات هيهات لتراث نبي وواقع أمة أن يندثر تحت أباطيل ولاءات أحمد منصور وزعماء العلمانيين وكفار القاديانيين ، ومن علي شاكلتهم    ]  ثم يقول صبحي: (2) وقالوا إن آية: ﴿إِنّمَا الصّدَقَاتُ لِلْفُقَرَآءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللّهِ وَابْنِ السّبِيلِ فَرِيضَةً مّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ (التوبة 60) قد ألغى حكمها ما جاء فى الآيات الأخرى عن الإنفاق والصدقات، مثل ﴿يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَآ أَنْفَقْتُمْ مّنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ وَالْيَتَامَىَ وَالْمَسَاكِينَ وَابْنِ السّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ﴾ (البقرة 215). وآية ﴿وَأَنفِقُواْ مِن مّا رَزَقْنَاكُمْ مّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولُ رَبّ لَوْلآ أَخّرْتَنِيَ إِلَىَ أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصّدّقَ وَأَكُن مّنَ الصّالِحِينَ﴾ (المنافقون 10). وآية ﴿وَفِيَ أَمْوَالِهِمْ حَقّ لّلسّآئِلِ وَالْمَحْرُومِ﴾ (الذاريات 19). وآية ﴿وَالّذِينَ يَكْنِزُونَ الذّهَبَ وَالْفِضّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللّهِ فَبَشّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ (التوبة 34).
والقائلون بهذا الرأى لم يعرفوا الفرق بين الإنفاق التطوعى فى سبيل الله وبين الزكاة الرسمية التى يجمعها الحاكم فى الدولة المسلمة وينفقها فى مصارفها المحددة فى آية ﴿إِنّمَا الصّدَقَاتُ لِلْفُقَرَآءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللّهِ وَابْنِ السّبِيلِ فَرِيضَةً مّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ فالدولة هى التى تحدد المستوى الاقتصادى للفقراء والمساكين وهى التى تنفق على الموظفين (العاملين عليها) أى القائمين على الزكاة، وهى التى تقيم أماكن إيواء لأبناء السبيل، ثم تنتهى الآية بقوله تعالى ﴿فَرِيضَةً مّنَ اللّهِ﴾ أى أن ذلك التوزيع فرض إلهى لابد من تنفيذه.. فكيف يجرؤ بعضهم على إلغائه بدعوى النسخ؟
وقد عرفنا مصارف الزكاة وتوزيعها الذى تقوم به الدولة، أما الصدقة التطوعية فقد تحدث القرآن عن مستحقيها فى قوله تعالى ﴿يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَآ أَنْفَقْتُمْ مّنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ وَالْيَتَامَىَ وَالْمَسَاكِينَ وَابْنِ السّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ﴾ فأحق الناس بالصدقة التطوعية هو الوالدان والأقربون ومن يعرفه الإنسان من اليتامى والمساكين ثم ابن السبيل، والله تعالى عليم بما يفعله كل إنسان يتطوع للخير. والذى ينفق تطوعاً فى سبيل الله يجعل فى ماله حقاً محدوداً معلوماً لكل سائل يقابله، ولكل محروم يعرفه، وهو الذى يقدر ظروفه واحتياجاته، والله تعالى يقول: ﴿وَالّذِينَ فِيَ أَمْوَالِهِمْ حَقّ مّعْلُومٌ. لّلسّآئِلِ وَالْمَحْرُومِ﴾ (المعارج 24،25).
ومقدار الصدقة التطوعية هو ما يزيد عن حاجة الإنسان، وبالقدر المعقول، والله تعالى يقول ﴿وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ﴾. والعفو هو الزائد عن الحاجة ومعناه الاعتدال فى الصدقة بدون إسراف أو تقتير، يقول تعالى ﴿وَالّذِينَ إِذَآ أَنفَقُواْ لَمْ يُسْرِفُواْ وَلَمْ يَقْتُرُواْ وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً﴾ (الفرقان 67). ﴿وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَىَ عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مّحْسُوراً﴾ (الإسراء 29).
وينبغى على الإنسان أن يسارع بالزكاة والصدقة حتى لا يندم عند الاحتضار، وفى ذلك يقول تعالى ﴿وَأَنفِقُواْ مِن مّا رَزَقْنَاكُمْ مّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولُ رَبّ لَوْلآ أَخّرْتَنِيَ إِلَىَ أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصّدّقَ وَأَكُن مّنَ الصّالِحِينَ﴾. وإذا بخل بماله ومات وقد اكتنز الأموال دون أن ينفقها فى سبيل الله، فالقرآن يقول عنه ﴿وَالّذِينَ يَكْنِزُونَ الذّهَبَ وَالْفِضّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللّهِ فَبَشّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾.
باختصار إن كل الآيات التى تتحدث عن الصدقة والزكاة يكمل بعضها بعضاً ولا يناقض بعضها بعضاً، وليس هناك نسخ فى أحدها بمعنى الإلغاء والحذف.[ تعليق البنداري : أما عن اختلاف أحمد صبحي مع غيره في هل فيما ذكر منه ما يحقق حدوث النسخ أم لا فليست هذه  ، إنما القضية هي أن النسخ حقيقة شرعية وإن تجاوز بعض الناس في تطبيقها فالتجاوز مردود علي صاحبه والنسخ الذي هو المحو أو الإنساء  قائم لا خلاف عليه . والقول بالنسخ حقيقة ربانية لا هي عوج ولاهي هي نقيصة ، وما سيعرضه صبحي ما هو إلا اختلاف في التطبيق وليس استدلال علي بطلان حقيقة النسخ الذي هو المحو والإزالة أو الإنساء يقول صبحي  : وليس هناك عوج فى كتاب الله ﴿الْحَمْدُ لِلّهِ الّذِي أَنْزَلَ عَلَىَ عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لّهُ عِوَجَا. قَيّماً﴾ (الكهف 1،2).
(3) وقالوا إن هناك آيتين فى عدة المرأة الأرملة أحداهما تنسخ- أى تبطل- الأخرى فآية ﴿وَالّذِينَ يُتَوَفّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً وَصِيّةً لأزْوَاجِهِمْ مّتَاعاً إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ﴾ (البقرة 240). قالوا عنها أنها باطلة الحكم بسبب آية ﴿وَالّذِينَ يُتَوَفّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبّصْنَ بِأَنْفُسِهِنّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً﴾ (البقرة 234). فهموا أن الآيتين متعارضتان، تبطل إحداهما الأخرى، وقد أخطأوا حين ظنوا أن الآيتين تتحدثان عن عدة المرأة الأرملة، وظنوا أن الآية الأولى تجعل عدة الأرملة حولاً كاملاً والآية الثانية تجعل عدتها أربعة أشهر وعشرا.
والواقع أن الآية الأولى تتحدث عن (المتعة) الواجبة للأرملة بعد وفاة زوجها، وللأرملة متعة كما للمطلقة، والقرآن أوجب المتعة للمطلقة وجعلها حقاً لها، كما أوجب المتعة للأرملة. وصية لها، فقال تعالى ﴿وَالّذِينَ يُتَوَفّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً وَصِيّةً لأزْوَاجِهِمْ مّتَاعاً إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِيَ أَنْفُسِهِنّ مِن مّعْرُوفٍ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ. وَلِلْمُطَلّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُتّقِينَ﴾ (البقرة 240،241). فالآيتان هنا تتحدثان عن (متعة) الأرملة ثم (متعة) المطلقة، فمن حق الأرملة أن تقيم فى بيت زوجها المتوفى عنها طيلة سنة كاملة، ولا يحق لأحد أن يخرجها من بيتها قبل العام، ولا يتعارض حقها فى المتعة مع حقوقها الأخرى فى الميراث. أما المطلقة فلها متعة طلاق يحددها العرف أو المعروف أى ما يتعارف عليه الناس. أذن الآيتان لا شأن لهما بموضوع العدة وإنما بموضوع المتعة.[
أقول البنداري: سأعرض للمرة الأولي أقوال بعض سلفنا ممن سبقوا ليعلم القاريء مستوى فهمهم ويقارنه بمستوي عك أحمد منصور قالوا في هذه المسألة ما نصه : (((((((((((((((((((((-   والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا فإذا بلغن أجلهن فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن بالمعروف والله بما تعملون خبير ( 234( هذا أمر من الله للنساء اللاتي يتوفى عنهن أزواجهن : أن يعتددن أربعة أشهر وعشر ليال وهذا الحكم يشمل الزوجات المدخول بهن وغير المدخول بهن بالإجماع ، ومستنده في غير، المدخول بها عموم الآية الكريمة ، وهذا الحديث الذي رواه الإمام أحمد وأهل السنن وصححه الترمذي : أن ابن مسعود سئل عن رجل تزوج امرأة فمات ولم يدخل بها ، ولم يفرض لها ؟ فترددوا إليه مرارا في ذلك فقال : أقول فيها برأيي ، فإن يكن صوابا فمن الله ، وإن يكن خطأ فمني ومن الشيطان ، والله ورسوله بريئان منه : [ أرى ] لها الصداق كاملا . وفي لفظ : لها صداق مثلها ، لا وكس ، ولا شطط ، وعليها العدة ، ولها الميراث . فقام معقل بن سنان الأشجعي فقال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى به في بروع بنت واشق . ففرح عبد الله بذلك فرحا شديدا . وفي رواية : فقام رجال من أشجع ، فقالوا : نشهد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى به في بروع بنت واشق .  ولا يخرج من ذلك إلا المتوفى عنها زوجها ، وهي حامل ، فإن عدتها بوضع الحمل ، ولو لم تمكث بعده سوى لحظة ; لعموم قوله : ( وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن ) [ الطلاق : 4 ] . وكان ابن عباس يرى : أن عليها أن تتربص بأبعد الأجلين من الوضع ، أو أربعة أشهر وعشر ، للجمع بين الآيتين ، وهذا مأخذ جيد ومسلك قوي ، لولا ما ثبتت به السنة في حديث سبيعة الأسلمية ، المخرج في الصحيحين من غير وجه : أنه توفي عنها زوجها سعد بن خولة ، وهي حامل ، فلم تنشب أن وضعت حملها بعد وفاته ، وفي رواية : فوضعت حملها بعده بليال ، فلما تعلت من نفاسها تجملت للخطاب ، فدخل عليها أبو السنابل بن بعكك ، فقال لها : ما لي أراك متجملة ؟ لعلك ترجين النكاح . والله ما أنت بناكح حتى يمر عليك أربعة أشهر وعشرا . قالت سبيعة : فلما قال لي ذلك جمعت علي ثيابي حين أمسيت ، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فسألته عن ذلك ، فأفتاني بأني قد حللت حين وضعت ، وأمرني بالتزويج إن بدا لي .  قال أبو عمر بن عبد البر : وقد روي أن ابن عباس رجع إلى حديث سبيعة ، يعني لما احتج عليه به . قال : ويصحح ذلك عنه : أن أصحابه أفتوا بحديث سبيعة ، كما هو قول أهل العلم قاطبة .  وكذلك يستثنى من ذلك الزوجة إذا كانت أمة ، فإن عدتها على النصف من عدة الحرة ، شهران وخمس ليال ، على قول الجمهور ; لأنها لما كانت على النصف من الحرة في الحد ، فكذلك فلتكن على النصف منها في العدة . ومن العلماء كمحمد بن سيرين وبعض الظاهرية من يسوي بين الزوجات الحرائر والإماء في هذا المقام ; لعموم الآية ، ولأن العدة من باب الأمور الجبلية التي تستوي فيها الخليقة . وقد ذكر سعيد بن المسيب ، وأبو العالية وغيرهما : أن الحكمة في جعل عدة الوفاة أربعة أشهر وعشرا ; لاحتمال اشتمال الرحم على حمل ، فإذا انتظر به هذه المدة ظهر إن كان موجودا ، كما جاء في حديث ابن مسعود الذي في الصحيحين وغيرهما : " إن خلق أحدكم يجمع في بطن أمه أربعين يوما نطفة ، ثم يكون علقة مثل ذلك ، ثم يكون مضغة مثل ذلك ، ثم يبعث إليه الملك فينفخ فيه الروح " . فهذه ثلاث أربعينات بأربعة أشهر ، والاحتياط بعشر بعدها لما قد ينقص بعض الشهور ، ثم لظهور الحركة بعد نفخ الروح فيه ، والله أعلم .  قال سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة : سألت سعيد بن المسيب : ما بال العشرة ؟ قال : فيه ينفخ الروح . وقال الربيع بن أنس : قلت لأبي العالية : لم صارت هذه العشر مع الأشهر الأربعة ؟ قال : لأنه ينفخ فيها الروح . رواهما ابن جرير . ومن هاهنا ذهب الإمام أحمد ، في رواية عنه ، إلى أن عدة أم الولد عدة الحرة هاهنا ; لأنها صارت فراشا كالحرائر ، وللحديث الذي رواه الإمام أحمد ، عن يزيد بن هارون ، عن سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة ، عن رجاء بن حيوة ، عن قبيصة بن ذؤيب ، عن عمرو بن العاص أنه قال : لا تلبسوا علينا سنة نبينا ، عدة أم الولد إذا توفي عنها سيدها أربعة أشهر وعشر ورواه أبو داود ، عن قتيبة ، عن غندر وعن ابن المثنى ، عن عبد الأعلى . وابن ماجه ، عن علي بن محمد ، عن وكيع ثلاثتهم عن سعيد بن أبي عروبة ، عن مطر الوراق ، عن رجاء بن حيوة ، عن قبيصة ، عن عمرو بن العاص ، فذكره .

وقد روي عن الإمام أحمد أنه أنكر هذا الحديث ، وقيل : إن قبيصة لم يسمع عمرا ، وقد ذهب إلى القول بهذا الحديث طائفة من السلف ، منهم : سعيد بن المسيب ، ومجاهد ، وسعيد بن جبير ، والحسن ، وابن سيرين ، وأبو عياض ، والزهري ، وعمر بن عبد العزيز . وبه كان يأمر يزيد بن عبد الملك بن مروان ، وهو أمير المؤمنين . وبه يقول الأوزاعي ، وإسحاق ابن راهويه ، وأحمد بن حنبل ، في رواية عنه . وقال طاوس وقتادة : عدة أم الولد إذا توفي عنها سيدها نصف عدة الحرة : شهران وخمس ليال . وقال أبو حنيفة وأصحابه ، والثوري ، والحسن بن صالح بن حي : تعتد بثلاث حيض . وهو قول علي ، وابن مسعود ، وعطاء ، وإبراهيم النخعي . وقال مالك ، والشافعي ، وأحمد في المشهور عنه : عدتها حيضة . وبه يقول ابن عمر ، والشعبي ، ومكحول ، والليث ، وأبو عبيد ، وأبو ثور ، والجمهور . قال الليث : ولو مات وهي حائض أجزأتها . وقال مالك : فلو كانت ممن لا تحيض فثلاثة أشهر . وقال الشافعي والجمهور : شهر ، وثلاثة أحب إلي . والله أعلم . وقوله : ( فإذا بلغن أجلهن فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن بالمعروف والله بما تعملون خبير  ) يستفاد من هذا وجوب الإحداد على المتوفى عنها زوجها مدة عدتها ، لما ثبت في الصحيحين ، من غير وجه ، عن أم حبيبة وزينب بنت جحش أمي المؤمنين ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لا يحل لامرأة تؤمن ، بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث ، إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا " . وفي الصحيحين أيضا ، عن أم سلمة : أن امرأة قالت : يا رسول الله ، إن ابنتي توفي عنها زوجها ، وقد اشتكت عينها ، أفنكحلها ؟ فقال : " لا " . كل ذلك يقول : " لا " مرتين أو ثلاثا . ثم قال : " إنما هي أربعة أشهر وعشر ، وقد كانت إحداكن في الجاهلية تمكث سنة " . قالت زينب بنت أم سلمة : كانت المرأة إذا توفي عنها زوجها دخلت حفشا ، ولبست شر ثيابها ، ولم تمس طيبا ولا شيئا ، حتى تمر بها سنة ، ثم تخرج فتعطى بعرة فترمي بها ، ثم تؤتى بدابة حمار أو شاة أو طير فتفتض به فقلما تفتض بشيء إلا مات . ومن هاهنا ذهب كثير من العلماء إلى أن هذه الآية ناسخة للآية التي بعدها ، وهي قوله : ( والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول غير إخراج ) [ البقرة : 240 ] ، كما قاله ابن عباس وغيره ، وفي هذا نظر كما سيأتي تقريره . والغرض أن الإحداد هو عبارة عن ترك الزينة من الطيب ، ولبس ما يدعوها إلى الأزواج من ثياب وحلي وغير ذلك وهو واجب في عدة الوفاة قولا واحدا ، ولا يجب في عدة الرجعية قولا واحدا ،  
ويجب الإحداد على جميع الزوجات المتوفى عنهن أزواجهن ، سواء في ذلك الصغيرة والآيسة والحرة والأمة ، والمسلمة والكافرة ، لعموم الآية . وقال الثوري وأبو حنيفة وأصحابه : لا إحداد على الكافرة . وبه يقول أشهب ، وابن نافع من أصحاب مالك . وحجة قائل هذه المقالة قوله صلى الله عليه وسلم : " لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث ، إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا " : قالوا : فجعله تعبدا . وألحق أبو حنيفة وأصحابه والثوري الصغيرة بها ، لعدم التكليف . وألحق أبو حنيفة وأصحابه الأمة المسلمة لنقصها . ومحل تقرير ذلك كله في كتب الأحكام والفروع ، والله الموفق للصواب . وقوله : ( فإذا بلغن أجلهن ) أي : انقضت عدتهن . قاله الضحاك والربيع بن أنس ، ( فلا جناح عليكم ) قال الزهري : أي : على أوليائها ( فيما فعلن ) يعني : النساء اللاتي انقضت عدتهن . قال العوفي عن ابن عباس : إذا طلقت المرأة أو مات عنها زوجها ، فإذا انقضت عدتها فلا جناح عليها أن تتزين وتتصنع وتتعرض للتزويج ، فذلك المعروف . روي عن مقاتل بن حيان نحوه ، وقال ابن جريج عن مجاهد : ( فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن بالمعروف ) قال : هو النكاح الحلال الطيب . وروي عن الحسن ، والزهري ، والسدي نحو ذلك
. )))))
- ثم يستأنف ابن الصبحي فيقول :أما الآية الأخرى فهى تتحدث عن (عدة) الأرملة بعد وفاة زوجها، تقول ﴿وَالّذِينَ يُتَوَفّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبّصْنَ بِأَنْفُسِهِنّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً﴾ (البقرة 234). والدليل الواضح على أنها تتحدث عن العدة أن الآية تستعمل لفظ "التربص" أى الانتظار فالأرامل ﴿يَتَرَبّصْنَ بِأَنْفُسِهِنّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً﴾ والمطلقات عدتهن أن يتربصن بأنفسهن ثلاثة حيضات، ويقول تعالى ﴿وَالْمُطَلّقَاتُ يَتَرَبّصْنَ بِأَنْفُسِهِنّ ثَلاَثَةَ قُرُوَءٍ﴾ (البقرة 228).إذن لا مجال للتعارض والتناقض بين الآيتين (240، 234) فى سورة البقرة فالأولى تتحدث عن (متعة) الأرملة، والأخرى تتحدث عن (عدة) الأرملة.. وشتان بين هذا وذاك.[ تعليق البنداري :  والملاحظ أن صبحي رصص ثلاثة أو خمسة صفحات للحديث عن هل حكم العدة في الآيتين متعارض أم لا ، وليست قضيتنا المثارة هي هل يوجد تعارض أم لا ؟ لأننا قطعنا بأنه إذا لم يوجد تعارض  وتراخي زمني فلا نسخ ولا محو ، وإن وجد التعارض والتراخي الزمني فالمحو والنسخ حقيقة شرعية قرآنية . بل أن يوجد نسخ ومحو في بعض آيات القرآن شيء حتمي من مقررات القرآن الكريم كما سبق أن  وضحنّا ، ]    
(4) وقد قالوا بأن الآيات المكية التى تأمر بالصبر قد أبطلتها (أو نسختها) آيات القتال التى نزلت فى المدينة، وطبيعة الدعوة للإسلام التى نزلت فى القرآن تنفى ذلك ولا شأن لدين الإسلام بما يفعله المسلمون.
(أ) فلا مجال للإكراه والعنف فى الدعوة للإسلام سواء كان المسلمون ضعافاً أو أقوياء. ففى السورة المكية يقول تعالى: ﴿فَذَكّرْ إِنّمَآ أَنتَ مُذَكّرٌ. لّسْتَ عَلَيْهِم بِمُسَيْطِرٍ﴾ (الغاشية 21،22). ﴿نّحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ وَمَآ أَنتَ عَلَيْهِمْ بِجَبّارٍ﴾ (ق 45).
ويتكرر نفس المعنى فى المدينة حين كان المؤمنون أقوياء ﴿لاَ إِكْرَاهَ فِي الدّينِ قَد تّبَيّنَ الرّشْدُ مِنَ الْغَيّ﴾ (البقرة 256).. إذن لا تعارض ولا حذف...
(ب) ولأن الدعوة للإسلام تقوم على السلم وأتباعها قليلون فى البداية فى مواجهة طغاة فلابد أن يعانى أتباعها من الاضطهاد، وهنا يكون الأمر بالصبر وارداً فى الآيات المكية ﴿وَاصْبِرْ عَلَىَ مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً﴾ (المزمل 10). ولكن نرى الصبر يأتى ضمن الأوامر فى الفترة المدنية ﴿يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتّقُواْ اللّهَ لَعَلّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ (آل عمران 200).
(ج) وحين تقوم لهم دولة فى محيط الشرك الذى يتآمر عليهم يتحتم عليهم الجهاد لحماية أنفسهم ولرد الاعتداء.وفى مصطلحات القرآن الكريم فالمشركون والكفار – فى مجال التعامل البشرى – هم المعتدون الظالمون المجرمون.أما المسلمون المؤمنون فهم المسالمون الذين لايعتدون على أحد ولا اكراه عندهم فى الدين .
وقد يفهم بعضنا أن الجهاد ورد فى الآيات المدنية فقط، ولكن نقرأ فى سورة الفرقان المكية قوله تعالى للنبى عن القرآن: ﴿فَلاَ تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَاداً كَبيراً﴾ (الفرقان 52).[ تعليق البنداري : الجهاد نوعان نوع يكون بالكلمة من خلال ميكانيزم الدعوة إلي الله بالكلمة ، ونوع يكون بالخروج بالنفس والمال وإشهار السيف ومقاتلة الكفار فالأول هو الذي قصد في قوله تعالي (فَلاَ تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَاداً كَبيراً﴾ (الفرقان 52) ، ودائما يكون الجهاد بالكلمة عند الإفتقار إلي وسيلة الردع بعد القول لمن يرفض الخضوع لقول الله وقول رسوله  ، ولا يكون هذا إلا في استضعاف المؤمنين ولم يكن زمن استضعافهم إلا في العهد المكي !! والثاني هو الذي قصد في قوله تعالي : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءكُم مِّنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَن تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَاداً فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاء مَرْضَاتِي) الممتحنة / 1 ___ وقوله تعالي في سورة الأنفال / 72 ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ) وقوله تعالي (  انْفِرُواْ خِفَافاً وَثِقَالاً وَجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ }التوبة41 ) وقوله تعالي (فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلاَفَ رَسُولِ اللّهِ وَكَرِهُواْ أَن يُجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَقَالُواْ لاَ تَنفِرُواْ فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرّاً لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ }التوبة81 ___ وقوله تعالي (وَإِذَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمِنُواْ بِاللّهِ وَجَاهِدُواْ مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ أُوْلُواْ الطَّوْلِ مِنْهُمْ وَقَالُواْ ذَرْنَا نَكُن مَّعَ الْقَاعِدِينَ }التوبة86 ، وهكذا فعلام يعوّل أحمد صبحي وعلي أي شيء يستدل ؟؟ لا أدري إلا أنه يتخبط في قوله وعرضه للموضوع الذي نسج خيوطه وألّف نسيجه الواهي جدا ، ] ثم هو يقول :  والتعليل واضح وبسيط وهو أن الجهاد يعنى النضال بالكلمة وبالدعوة وبالنفس وبالمال.. فالجهاد أعم من القتال.. ولم يكن هناك قتال فى مكة ولكن هناك جهاد فى مكة وفى المدينة.. والمهم أن الصبر والجهاد وعدم الإكراه فى الدين يأتى فى السورة المكية والسورة المدنية، إذن لا مجال للتناقض أو النسخ بمعنى الإلغاء والحذف.[ ويضيف أحمد صبحي:  8- سادساً
: قضية التدرج فى التشريع
يقول ابن الصبحي:والقائلون بالنسخ بمعنى الإلغاء والحذف يستدلون بالتدرج فى التشريع على أنه يأتى تشريع جديد يلغى التشريع القديم أو على حد قولهم ينسخه.. والتدرج فى التشريع له فى القرآن مظهران أحدهما يخص العلاقات المتغيرة بين المسلمين وأعدائهم, والآخر يختص بالإيجاز فى التشريع الذى يعقبه التفصيل.. وهذا وذاك لا ينتج عنه إلغاء للأحكام أو على حد قولهم نسخ.
التدرج فى التشريع فى العلاقات المتغيرة [ تعليق البنداري : هذا قول مرسل من صبحي لا دليل عليه لأن التدرج في التشريع حق بقوله تعالي : (  وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلاً }الإسراء106 ___ وقوله تعالي (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً }الفرقان32 __ ، وحيث ثبت أن القرآن نزل علي مكث (23 سنة ) فقد ثبت دليل التراخي واستحق كل حكم نزل فيه تعارض بين بعض أجزائه ( سواءً بالمحو أو بالإضافة أو بالإستكمال أو بالإنساء أو بالتعديل أو بأي صورة من صور المحو ) ، أن يكون حكما متضمنا ناسخا أو منسوخ ، وما لم يحتوي علي شيء من هذا فلا يتضمن شيئا من النسخ أو المحو ، ]   
ثم يقول صبحي : إن العلاقة بين المسلمين وأعدائهم تتذبذب بين الضعف والقوة، والقرآن يضع التشريع المناسب لكل حالة.. فإذا كان المسلمون أقلية مستضعفة مضطهدة فليس مطلوباً منهم أن يقاتلوا وإلا كان ذلك انتحاراً.وإذا كان المسلمون قوة فلا يجوز فى حقهم تحمل الاضطهاد والأذى، بل عليهم أن يردوا العدوان بمثله، وإذا كان المشركون يقاتلونهم كافة فعليهم أن يردوا العدوان بمثله . وعلى المسلمين فى كل حالة أن ينفذوا التشريع الملائم لهم، وذلك لا يعنى بالطبع إلغاء التشريع الذى لا يتفق مع حالهم، فذلك التشريع فى محله تطبقه جماعة مسلمة أخرى إذا كانت فى الوضع المناسب لذلك التشريع. [ تعليق البنداري : لقد فهم أحمد صبحي تشريع النسخ : المحو والإزالة فهما غير صحيح ، حيث تصور أن المنسوخ من القرآن هو الممحو محوا جذريا ، وهذا الفهم غير صحيح حيث أننا دائما نؤكد علي صور النسخ ونقول هو ( المحو أو الإزالة أو التعديل أو الإستكمال ، أو الإنساء أو التحول ) وما تكلم عنه من أمر التشريع الذي يواكب عصره إنما هو من صور النسخ المعروفة بالتحول فالعبرة بتطبيق الشرع فحيث يكون المسلمون في استضعاف فقد حتم واقعهم فرض الدعوة فقط دون القتال وحين يمتلكون اسباب القوة يكون التحول الي القتال صورة من صور النسخ أي محو تطبيق الإنفراد بالدعوة ليحل محلها تطبيق ( الدعوة ثم القتال ) ولا شك فصورة التشريعين يختلفان في النهاية  ؟؟؟] ، ثم يقول صبحي : ان تشريع القرآن فيما يخص العلاقات بين المسلمين وأعدائهم فى أروع ما يكون التشريع، إذ أن له ركائز ثابتة تتمثل فى المبادئ الأخلاقية الدائمة من حسن الخلق والتسامح والصبر على الأذى والاعراض عن الجاهلين ورد السيئة بالتى هى أحسن ورعاية الجواروحفظ حق الجار والدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة وأن يقولوا للناس حسنا . ثم له قوانين متغيرة حسب الأحوال ، فالمسلمون فى ضعفهم لا يجب عليهم القتال لدفع الاضطهاد، وإنما عليهم الصبروالتحمل والهجرة اذا أمكن . أما إذا كانت لهم دولة فدولتهم الاسلامية تقوم أساسا على قيم الاسلام الكبرى من السلام والحرية المطلقة للعقيدة وتحريم الاكراه فى الدين وتطبيق العدل الصارم والمساواة بين الناس جميعا والديمقراطية المباشرة وهى التوصيف الحقيقى للشورى الاسلامية ، ورعاية حقوق العباد أو حقوق الانسان. دولة بهذه المواصفات لا يمكن أن تعتدى على دولة أخرى بل تلجأ للحرب الدفاعية اذا هوجمت فقط اذا لم يكن هناك من سبيل آخرلتفادى الحرب لأن الحرب فى تشريع القرآن هى مجرد استثناء . وحتى اعداد القوة القصوى ( الانفال60) ليس للاعتداء وانما للردع وتخويف القوة الباغية من الهجوم على الدولة المسلمة المسالمة. وبهذا الاستعداد الحربى يمكن اقرار السلام ومنع الحرب وحقن دماء العدو المتحفز للحرب والذى يغريه ضعف الآخر.هذا اذا كانوا فى دولة اسلامية عليها أن تتقوى لارساء السلم ولتكون قادرة على الدفاع ، ومحرم عليهم الاعتداء على الغير أو رد الاعتداء بأكثر منه. وطبيعى أنه لا يوجد دولة مستضعفة للأبد كما لا توجد قوة مسيطرة إلى مالا نهاية، وبذلك تظل تشريعات القرآن سارية فوق الزمان والمكان بجوانبها الأساسية الثابتة والقانونية المتغيرة.
جدير بالذكر ان النبى محمد عليه السلام حين كان مع المسلمين فى مكة يعانى معهم اضطهاد المشركين المعتدين نفذ ومعه المسلمون الأوائل كل التشريعات المناسبة للوضع القائم من الصبر على الأذى والتسامح مع المعتدين مع الثبات على الحق والدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة . ثم بالهجرة وبتكوين أول وآخردولة اسلامية حقيقية قام النبى بتطبيق كل التشريعات القرآنية السالفة الذكر. ولكن بموته عليه السلام بدأت الفجوة بين المسلمين وتشريعات القرآن وتطورت سريعا من اهمال الشورى الاسلامية بمعنى الديمقراطية المباشرة الى حكم الأقلية القرشية فى عهد الخلفاء الراشدين ، الى الفتوحات العربية وتكوين امبراطورية وفق السائد فى العصور الوسطى بالقدر الذى يخالف تشريعات القرآن ، وما نجم عن احتكار سادة قريش للسلطة والثروة من قيام الفتنة الكبرى أو الحرب الأهلية ، والتى أدت بدورها الى انهاء النظام شبه الديمقراطى للخلفاء الراشدين ليحل محله حكم الأمويين الوراثى الاستبدادى الظالم ، ثم حل محله النظام العباسى الذى وقع على عاتقه تبرير الوضع السائد وتسويغه اسلاميا.[ تعليق البنداري : مرة أخري تهاجم أحمد صبحي كريزا وحمّي  العباسيين وتتحكم عقدتهم في كلامه ويبدو أنها عقدة متأصلة في نفسه ، أثرت علي فهمه تأثيرا سلبيا خطيرا ، فهويعلق عليها دعاواه الباطلة في زعمه اختلاق المسلمين في العصر العباسي  دينٍ آخر غير دين الإسلام ، وطبعا لن يصدق هذا الجنون أحدٌ من الناس،  لأن كل أمة سيكون فيها من يترك بصمته التأريخية الصادقة علي أحداث ما يدور بعصره ولن تعدم أمة حتي من أمم الكفر ذلك الشاهد علي عصره الذي يرصد تغيرات واقعه ،  فما بالك بخير الأمم أمة الإسلام أقول لن تعدم أمة وجود من يشهد علي عصرهم وما علمنا من أحد من البشر قد زعم أو شهد أو قال ولو بالكذب أن المسلمين في خلافة الدولة العباسية قد غيروا دينهم الحنيف بدين مخترع إلا هذا المجنون أحمد صبحي منصور ، عندما قال بجنون لم يسبق :  كان الحل علاج الفجوة بين حقائق الاسلام والقرآن باختراع دين موازى يحمل اسم الاسلام فقط ولكن يناقضه متفقا مع الأوضاع السائدة.]  ثم يستأنف مهزلته فيقول :  ولأنه وضع يناقض تشريعات الاسلام والسيرة الحقيقية للنبى وسنته الحقيقية فمن المستحيل التوفيق بين النقيضين، كما كان مستحيلا تحريف القرآن ليجارى الوضع القائم، كما كان مستحيلا أيضا أن يتنازل الخليفة العباسى عن سلطاته المطلقة وملكيته المنفردة للبلاد والعباد ليعيد العدل الاسلامى والشورى الاسلامية. كان الحل علاج الفجوة بين حقائق الاسلام والقرآن باختراع دين موازى يحمل اسم الاسلام فقط ولكن يناقضه متفقا مع الأوضاع السائدة. وما زال صبحي يهذي ويؤلف فيقول : الحق يقال ان ذلك التزييف والاختراع بدأ فى الفتنة الكبرى حيث عزز المتصارعون بالسيف مواقفهم بأحاديث منسوبةللنبى ، وسبق بذلك أبوهريرة المتحالف مع الأمويين ، ثم اتسع الزيف شيئا فشيئا فى الدولة الأموية عن طريق القصاصين أو رواة الأساطير فى المساجد, ولكن ظل جهدهم شفهيا أتيح له فى الدولة العباسية الكهنوتية أن يتم نسخه أى تدوينه فى نسخ ومجلدات.[ تعليق البنداري : كما قلنا أن هذا الصبحي لم يُسبق في هذا الزعم ولم يجاري لأن هذه الدعوي ، دعوة مرسلة قام الدليل من الواقع والنقل والعقل علي بطلانها بل وتأصيل عكسها ، لكن مستشرقا واحدا قد نقل منه أحمد منصور أحقاده علي الإسلام وقام بالرد عليه كل المؤرخين ومنهم الدكتور محمود أبو زيد ، وأورد  هنا  نبذة مهمة عن مدرسة الحا قدين على التاريخ الاسلامى ومؤرخيه الأفزاز  ، بتصرف نقلا  عن  د.محمود اسماعيل: جاء فى مقالة المؤرخون الرواد وميلاد علم التأريخ د.محمود اسماعيل: من الواضح أن من أهم منجزات الصحوة البورجوازية "تصنيف العلوم وتبويبها",واستقلال بعضها عن البعض الاخر,وظهور علوم جديدة لها مباحثها ومناهجها. وعلى ذلك فليس من المستغرب أن يشهد حقل المعرفة التاريخية الظاهرة نفسها,فيظهر التاريخ كعلم مستقل بذاته عن المعارف الأخرى,ويفيد منها في الوقت عينه,ويصبح "مصطلح التاريخ"_ الذي ظهر إبان بواكير بورجوازية ما قبل الاسلام- شائعا في عصر الصحوة البورجوازية بعد غيبة طويلة إبان العصور السابقة.وتلك ملاحظة بالغة الخطورة على ارتباط العلم بالبورجوازية, ومن ثم صدق مقولة سوسيولوجية الفكر. ونتلمس كذلك تأثيرات الصحوة في تقدير علم التاريخ- الذي كان ينظر الى مباحثه وموضوعاته قبل الصحوة نظرة استخفاف – وتبجيل المؤرخين باعتبار "بضاعتهم" "من العوامل المؤثرة في تيارات الحياة...وتؤدي دورا تربويا وسياسيا فعالا".ومعلوم أن ارتباط العلم بالحياة وتكريسه لخدمة أغراض عملية,سمة بارزة من سمات الفكر الليبرالي البور جوازي. وهذا ينفي الرأي القائل بأن "حاجة العرب الى العلم إنبثقت من الدين".وتقود حقيقة سوسيولوجية نشأة علم التاريخ الإسلامي الى مناقشة آراء الدارسين بصدد تلك النشأة.وتكاد هذه الآراء جميعا تضرب في اتجاه واحد وهو النشأة العربية المحضة,وإن أشارت بعضها الى وجود تأثيرات أجنبية طفيفة.  يقول أحمد أمين "إن تأريخ حوادث الإسلام في عصوره الأولى كان إسلاميا بحتا ونتيجة تطور طبيعي من الداخل..فلم تحدث تأثيرات من اليونان أو الفرس في حياة المؤرخين الأوائل ".وفي المعنى نفسه ذكر مرجوليوث "لم تكن نشأة التاريخ الإسلامي استمرارا للتواريخ القديمة,وإنما هو نمو طبيعي جاء به الى الوجود حاجات المجتمع,وتتجلى به خصائص خاصة به".
ورغم تأكيده على "حاجات المجتمع"كواقع لنشأة العلم, تجاهل تلك الحقيقة حين أبرز "المغزى الأخلاقي كهدف للمعرفة بالتاريخ آنذاك".
كما وقف لاكوست على حقيقة النشأة السوسيولوجية حين رأى أن "الفكر التاريخي جاء تطورا كميا نتيجة تحول كيفي ".
أما روزنتال فقد تخبطت آراؤه في هذا الصدد,فتارة يؤكد النشأة الاجتماعية الخالصة,وأخرى يبرز دورالتأثيرات الأجنبية وخاصة في الجوانب التقنية.يقول "لم يكن هناك تأثيرات فارسية أو إغريقية فيما ابتكره المسلمون من المنهج الحولي".لكنه أثبت في موضع آخر "تأثيرات الحوليات البيزنطية وخاصة ما نسب الى المؤرخ البيزنطي أيونيس ملالاس الذي ربما عرفه العرب من طريق السريان الذين اتبعوا الأسلوب الحولي نفسه,وبالذات عند يعقوب الرهاوي".وأضاف "وبالإجمال فإن قليلا من الاعتراض يمكن توجيهه الى الافتراض بأن التاريخ الحولي الإسلامي كان مدينا في بداية أيامه الى النماذج الإغريقية والسريانية,لم يكن هناك كتاب معين ألهم المؤلفين المسلمين,ولكن فكرة الترتيب على السنين جاءت الى العلماء المسلمين الأول عن طريق الاتصال بالنصارى".
وواضح من نصوصه تذبذب موقفه,وافتقاره الى قرائن وبراهين تدعم مذهبه.
والصواب ما ذهب اليه مرجوليوث من أن "النظام الحولي اختراع عربي قح له أصوله الثابتة في الجاهلية",القاعدة التقنية في توثيق الأخبار المعروفة بالإسناد تقليد أخذه المؤرخون عن المحدثين المسلمين العرب ".يدعم ذلك قول لاكوست أنه " لا في اليونان ولا في بيزنطة ولا في أوربا عامة في العصور الوسطى,لم يكن للتاريخ مكانة في النشاط الثقافي كتلك التي كانت عند العرب",وما وقف عليه ابن خلدون من أن الذميين الذين أسلموا " كانوا يومئذ بادية لا يعرفون إلا ما تعرفه العامة من أهل الكتاب".ونحن نرى أن الخوض في تلك المسألة غير ذات موضوع . طالما أن أهل الذمة سواء من أسلم منهم أوظل على عقائده السابقة كانوا مواطنين ورعايا في "دار الإسلام",لهم فعالياتهم الاقتصادية وحتى السياسية في كثير من الأحيان.لقد كانوا خيوطا في نسيج الواقع الاجتماعي,أثروا فيه وتأثروا به.وإذ لم يثبت الدارسون لهم دورا في نشأة علم التاريخ الإسلامي,فقد أسهموا في ميادين الفكر الأخرى إسهامات لها ثقلها,بحيث حظيت فعالياتهم في هذا الصدد باهتمام المؤرخين المسلمين.وعلى ذلك يمكن القول بوجود تأثير ضمني لتلك الطوائف على موضوع التاريخ, نفسه لأن حياتهم وفعاليتهم أصبحت جزءاً من الواقع المعيش وهو مبحث التاريخ وموضوعه وثمة مسألة أخرى جديرة بالبحث تتعلق بموضوعية المؤرخين الرواد.وإذ يعتبر التصدي لها أمرا سابقا لأوانه قبل تناول أعمالهم, نكتفي بعرض بعض جوانبها التي تلقي أضواء على سوسيولوجية نشأة علم التاريخ.
اختلف الدارسون – كالعادة – في تقدير موضوعية المؤرخين الرواد فيما صنفوا من تواريخ , فالبعض نعى عليهم الافتقار إليها لأسباب سياسية أو إيديولوجية , وحتى الذين فطنوا لتأثيرات الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في تزييف التاريخ خانهم التوفيق.بينما أكد البعض التزام المؤرخين الرواد بقدر كبير من الحياد والموضوعية والأمانة العلمية.في حين تذبذب اتجاه ثالث بين الاتجاهين السابقين.
ويمثل الاتجاه الأول روزنتال / وإيف لا كوست,[ وعلى دربهم سار أحمد صبحي منصور حيث تبنى نفس الفكرة بل وتعصب جدا لهذا الاتجاه وأرى أن السبب عندهم جميعا سواءً   روزنتال وإيف لا كوست أو صبحى منصور هو تسلط نفس النزعة عليهما و التى يتهمون بها المؤرخين السابقين والتى قادتهم من وجة نظرهم الى الانحياز التأريخى عن الحقيقة التأريخية وهى  تأثيرات الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في تزييف التاريخ عندهما فنشأة أحمدصبحي منصور داخل بيت فقير ينتمي الى قرية متواضعة فى كفر صقر لأم كانت تحت زوج رزق به  وبعض اخوة له ثم طلقها فتزوجت رجلا غيره انتج منها بعض الأولاد منهم أخ قرآني مثله من كُتّاب الموقع القرآني  ، وكذلك الإضطهاد المفتعل الذى سببه هو لنفسه بموقفه الأرعن  من مؤسسة الأزهر الدينية بعراقتها وشموخ صرحها منذ نشأتها وحتى تاريخه مع تحفظى على بعض الفترات التاريخية من الضعف الاداري فقط التي كانت تمر فيه هذه المؤسسة التى كان لها دورها الأصيل فى تنشأة أحمد منصور  نفسه حيث تربى في ربوع وحنايا وأروقة هذه المؤسسة العريقة إلى أن انحرف فكره بدافع الحاجة الاجتماعية والشعور بالاضطهاد  بعد فساده الاداري وحيده عن الاصول الادارية والعلمية داخل هذه المؤسسة أما روزنتال وإيف لا كوست فقد ولد فرانز روزنتال   في برلين ب ألمانيا 13 أغسطس عام 1914, والتحق بجامعة برلين عام 1932 حيث درس الحضارات واللغات الشرقية بها, حصل على درجة الكتوراة عام 1935 من نفس الجامعة. وفدم الولايات المتحدة الأمريكية عام 1940 ليعمل استاذا للغات السامية في كلية الاتحاد العبرى في سنساتى بولاية أوهايو. درس اللغة العربية في جامعة بنسلفانيا, وشغل منذ عام 1956 منصب استاذ كرسى__ لويس م. رابينوبتز ل اللغات السامية في جامعة بل. قام بترجمة وتحقيق مقدمة ابن خلدون، وله مؤلفات مستفيضة في دراسة الحضارة الإسلامية منها:  مناهج العلماء المسلمين في البحث العلمى.   مقدمة ابن خلدون. وتاريخ الطبرى. ومفهوم الحرية في الإسلام. ومفهوم المعرفة في الإسلام لفرانز روزنتال  .  وفاته توفى 8 ابريل 2003.
 وإيف لاكوست،مؤلف كتاب«جيوسياسة: التاريخ المديد لليوم الراهن» جغرافي ومؤرخ، وهو مؤسس ومدير مجلة«هيرودوت» الشهيرة وأستاذ في الجامعات الفرنسية، وأحد أهم الاختصاصيين الفرنسيين في ميدان الجيوسياسة -الجيوبوليتيكا-. وإيف لاكوست هو أيضا مؤلف العديد من الكتب التي أصبح بعضها مرجعا في ميدانه مثل «قاموس الجيوسياسة» و«قصة أسطورة الأرض» وله كتاب شهير يحمل عنوان: «الجغرافية تخدم أولا في صنع الحرب». وتجدر الإشارة أيضا إلى أن «لاكوست» قد قدّم العديد من الدراسات حول منطقة المغرب العربي من بينها كتاب تحت عنوان: (المغرب، شعوب وحضارات)، وكتاب أيضا عنوانه:«ابن خلدون» الى هنا نقتبس نبذة عن إيف لاكوست.
فالوضح أن إيف لاكوست،مؤلف كتاب«جيوسياسة: التاريخ المديد لليوم الراهن» الجغرافي والمؤرخ، وهو مؤسس ومدير مجلة«هيرودوت» الشهيرة وأستاذ في الجامعات الفرنسية، وأحد أهم الاختصاصيين الفرنسيين في ميدان الجيوسياسة –الجيوبوليتيكا، ويكفى كونه فرنسيا يتكلم فى علوم الاسلام بهذا التهجم واتهام المسلمين فى تاريخهم الكامل بهذه السطحية والعشوائية فى الوقت الذى قام مؤرخين أكثر منه حيدة وقسطا بإثبات تحرر المؤرخين المسلمين ىخاصة الأوائل منهم من أى خضوع لنظام أو حاكم أو مؤثرات اجتماعية أو اقتصادية مثل أصحاب الاتجاه الثاني القائلين بموضوعية نشأة علم التاريخ الإسلامي والذى نتلمسه في آراء مرجوليوث وعلى أدهم,فقد ذهب الأول الى "أن غالبية مؤرخي الإسلام لم يكونوا "رسميين",ففي القليل النادر ما كتب هؤلاء مصنفاتهم بأمر من السلطة – على الأقل في مرحلة النشأة – حيث لم تظهر وظيفة "مؤرخي البلاط" إلا في عصور تالية,ومن ثم "فإن المؤرخين الأوائل التزموا الدقة في تنقية الروايات ونقدها,والموضوعية فيما دونوه,لأن معظمهم كانوا في حالة رغدة من العيش كالطبري مثلا,وبعضهم خدم في الدواوين الى جانب أعمالهم الخاصة".واستشهد بموضوعية الطبري في عدم انحيازه لبني العباس رغم أنه كتب تاريخه إبان خلافتهم.
وفي الاتجاه نفسه مضي على أدهم فذهب الى أن المؤرخين الأوائل,"لم يعيشوا في كنف الأمراء,ولم يكتبوا التاريخ إرضاء للخلفاء والأمراء,وإنما كتبوه بدافع من ميل الى البحث والاستقصاء".
كل هذا يدفعنا الي  أن نرد قول  روزنتال وإيف لا كوست،وننسبه الى زعمه                   و تسلط نفس النزعة عليه و التى يتهمون بها المؤرخين السابقين والتى قادتهم من وجة نظرهم الى الانحياز التأريخى عن الحقيقة التأريخية وهى  تأثيرات الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في تزييف التاريخ عندهما ، وأضيف إلى ذلك التوجه العنصري الفج فى توجههم وتأريخاتهم للمسلمين والاسلام على وجه الخصوص   ] حيث كرس روزنتال في كتابه "علم التاريخ عند المسلمين"دراسةظالمة غير محايدة عمياء لم يفرق فيها بين المخلصين من مؤرخى الملسلمين وبين هؤلاء المرتزقة والذين لم يعول عليهم المسلمين ولم يأخذوا الأخبار منهم بل ووضعوهم فى قائمة الوضاعين والضعفاء والمتروكين  وبإجحاف الفرنسي المتعصب العنصري قال روزنتال وإيف لا كوست  عن "المؤرخين الرسميين"أو مؤرخي البلاط( من وجه نظره) ذهب فيها الى إن معظم مؤرخي الإسلام( وهذا بهتان وإفك عظيم من لأن كل المؤرخين الثقات والعدول المقبولة أخبارهم كانوا مضطهدين من الحكام – ويبدو أن الحقد العنصري والتعصبي لروزنتال أو وايف لاكوست وتابعهم صبحي منصور قد أعماهم عن أن يدركوا أن فى كل عقيدة ومجتمع عدول وثقات ونقيدهم من المتسلقين على أكتاف الحكام وكبار القوم فجعلوا الأخير من نصيب المسلمين والأول من نصيب أى مؤرخين من أى بلد أومجتمع أو عقيدة أخرى غير المسلمين حيث زعموا كذبا وافتئاتا أن مؤرخي المسلمين  ارتبطوا بالسلطات الحاكمة,نظرا لاشتغالهم بالإدارة والقضاء,أو عملهم كمؤرخي بلاط يدبجون سيراً للخلفاء أو الأمراء,وتواريخ لأسرهم الحاكمة. ثم قالوا :وحتى المؤرخون "الهواة"- كما اطلق عليهم – كانوا يمالئون السلطة حتى يكتب لمؤلفاتهم الرواج,فعول الكثيرون منهم على تقدير مؤلفاتهم للحكام ابتغاء حظوة في المال أو الجاه,وكل ذلك فت في موضوعية أعمالهم. ثم يواصل لاكوست مسلسل إفكه وكذبه على مؤرخى الإسلام( وتبعه علي ذلك أحمد صبحي منصور) : فيقول  لاكوست  في المعنى نفسه:  أن نشأة التاريخ الإسلامي "كانت رسمية بتكليف من أولي الأمر ما شكل عوائق نحو التزام الموضوعية",وزعم أن اتسام النشأة بطابع "القدسية" "حرم الفكر التاريخي من المنهج النقدي".[ ولم يكلف لاكوست نفسه عناء القراءة والبحث فى تاريخ هذذه الأمة الصحيح ولو فعل لعلم عن أبي حنيفة  ومحنته مع المنصور ، وابن حنبل ومحنته والبخاري وأمانته وموضوعيته وابتعاده كلية عن السُلطة والسلاطين ومثله مسلم ابن الحجاج وأبو داود والنسائي وابن ماجة والترمذي والطبراني والبزار وابن حبان وابو زرعة وابو حاتم البستي وعشرات المخلصين من مؤرخى حقبة الاسلام الأولى ، ثم يقول الدكتور محمود اسماعيل:  لكنه نظر الى قليل من المشبوهين الممالئين لبعض السلاطين المتأخرين وهم قليلون جدا فأخذ الكل بجريرتهم مما يدعوني الى استصدار مصطلح على هؤلاء ( أنهم المؤرخين العنصريين فى وقتنا الحديث ) ،  وأما عن المعوقات السوسيولوجية والتى تكلم فيها  طيب تيزيني حين ذهب الى تأثير الوضع الطبقي في انحياز المؤرخين الى انتماءاتهم ,ضاربا المثل بالبلاذري وكتابه "أنساب الأشراف".زاعما أنه تعصب فيه للأرسطقراتية والأرستقراطيين , قلت وأما عن هذا فكيف يكون ذلك تعصبا للأرسطقراطية وهو تأريخ بحثي موضوعي يفرض عليه حتمية ذكر مناقبهم وأوضاعهم كتاريخ نوعي ؟ ثم تعرض للطبري فقال : والطبري في كتابه "تاريخ الرسل والملوك"الذي يعد في نظره "تاريخا للأديان" أقول أيضا: هو تأريخ بحثي موضوعي يفرض عليه حتمية ذكر مناقبهم وأوضاعهم من كل زاوية خاصة الأعتقادية والدينية لأن الملوك والرسل هم المعنيين أولا فى أقوامهم بهذا الإتجاه  وأوضاعهم كتاريخ نوعي  .ومن هنا أضاف   طيب تيزيني الى العامل الديني تأثير الوضع الاقتصادي في تفسير "لاموضوعية" المؤرخين الباكرين.وواضح جدا ضحالة وسطحية ديزني ولا موضوعيته فى النقد التاريخي لمؤرخي الاسلام والمسلمين .ولقد اضطلع جهابذة المؤرخين فى عصرنا الحديث واتسموا بموضوعية شديدة حين تعرضوا لتأريخ  نشأة علم التاريخ الإسلامي والذى  نتلمسه في آراء مرجوليوث وعلى أدهم, وجواد على فقد ذهب الأول الى "أن غالبية مؤرخي الإسلام لم يكونوا "رسميين",ففي القليل النادر ما كتب هؤلاء مصنفاتهم بأمر من السلطة – على الأقل في مرحلة النشأة – حيث لم تظهر وظيفة "مؤرخي البلاط" إلا في عصور تالية,ومن ثم "فإن المؤرخين الأوائل التزموا الدقة في تنقية الروايات ونقدها,والموضوعية فيما دونوه,لأن معظمهم كانوا في حالة رغدة من العيش كالطبري مثلا,وبعضهم خدم في الدواوين الى جانب أعمالهم الخاصة".واستشهد بموضوعية الطبري في عدم انحيازه لبني العباس رغم أنه كتب تاريخه إبان خلافتهم.
وفي الاتجاه نفسه مضي على أدهم فذهب الى أن المؤرخين الأوائل,"لم يعيشوا في كنف الأمراء,ولم يكتبوا التاريخ إرضاء للخلفاء والأمراء,وإنما كتبوه بدافع من ميل الى البحث والاستقصاء".وقد تبدي اتجاه ثالث يدعم توجه مرجوليوث وعلى أدهم, وجواد على  ظهر على يد أحمد أمين يرى فيه  أن نشأة علم التاريخ ارتبطت بحكم بني العباس "الذين استخدموا التاريخ كوسيلة من وسائل الدعوة العباسية,فكان الخلفاء يشترون ذمم بعض المؤرخين( وهم قليلون )  بحيث حاولوا إظهار العصر العباسي بلون زاهر فاخر والعصر الأموي بلون قاتم مظلم".ويسوق أمثلة في هذا الصدد للتدليل على مذاهبه. لكنه يعود في موضع آخر فيشيد بروح التسامح العلمي التي كما أتاحت لبعض الشعراء هجو بعض الخلفاء,سمحت لمؤرخي المعارضة بالحرية في التعبير عن وجهات نظرهم. كما أشاد بالنقلة المنهجية التي تمت على يد الرواد من المؤرخين,من حيث استقاء الأخبار من مظانها,ومقارنتها ونقدها,وتوثيقها بالإسناد,وتنظيمها وسلسلتها على شكل حولي مبتكر. وأقول وهذا الحال دائما يكون موجودا فى كل الأمم والبلاد وقصور الحكم فى كل مكان وزمان إلازمان النبوة وما تلاه من عصور الخلافة الراشدة والتي  تم فيها كل عمليات التأريخ الأصلية للإسلام وسيرته ، وما تلاها من عصور ظل اكثر المؤرخين المسلمين يحكمهم قول الله تعالى ( يا أيها الذين آمنا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين )، وقول نبييهم الكريم ( عليكم بالصدق فإن الصدق يهدي الي البر وإن البر يهدي الى الجنة ولا يزال العبد يصدق ويتحري الصدق حتى يكتب عند الله صديقا )   ويقول الدكتور محمود اسماعيل  فى مقاله        المؤرخون الرواد وميلاد علم التأريخ : (ونكتفي في هذا المجال بنقد الاتجاهات السابقة – في عجالة – تاركين الأدلة والقرائن تكشف عن نفسها من خلال دراسة أعمال هؤلاء المؤرخين.فروزنتال عمم أحكامه حين تصور معظم المؤرخين "رسميين",والثابت أن تلك الظاهرة لم تولد في عصر الصحوة,ولا تنطبق على الرواد المؤسسين لعلم التاريخ.وحتى أولئك الذين خدموا في الدواوين إبان الصحوة,فإن انحيازهم لفكر حكومتها "المتبرجزة" لا يعد انحيازا عن الحقيقة,بل انحياز لها,ولم نسمع عن مؤرخ "هاو"- على حد قوله – نال حظوة من السلطة في مقابل تقديم أعماله باسمها.  وينسحب النقد نفسه على رأي لا كوست في هذا الصدد.أما مقالته في "النشأة القدسية"لعلم التاريخ فتصبح غير ذات بال,إذا علمنا أن هذه النشاة كانت تعني انفصال المعارف التاريخية عن العلوم التي اعتبرت علوما دينية كالفقه والحديث ,بل أن هذه العلوم كرست في عصر الصحوة لخدمة أغراض دنيوية,ومعلوم أن الفكر البورجوازي – بوجه عام – فكر مادي عقلاني حياتي بالدرجة الأولى.
أما انزلاق تيزيني في أحكامه على البلاذري في "أنساب الأشراف"والطبري في "تاريخ الرسل والملوك",فعذره أنه ليس مؤرخا,بل تنم ملاحظته في اعتبار الكتاب الأول تأريخا لنبلاء العرب والثاني تأريخا للأديان, عن انخداعه بعنواني الكتابين,وعدم اطلاعه عليهما ألبتة.ولو تمهل وقرأ مجرد صفحات قليلة منها قبل المجازفة بإطلاق حكمه,لأدرك أن البلاذري حمل في "أنساب الأشراف" حملة عنيفة على الأشراف,وأن تاريخ الطبري يعد أول إنجاز إسلامي لتاريخ عالمي دنيوي بشهادة كل الدارسين.وننوه – في استحياء – بأن للكتاب عنواناً آخر هو السائد والمتعارف عليه,ألا وهو "تاريخ الأمم والملوك",ومضمونه مصداق عنوانه.
ولا تعليق لنا على الإتجاه الثاني الذي يشيد بموضوعية المؤرخين الرواد,فذلك ما نعتقد في صوابه.أما الاتجاه الثالث التوفيقي الذي تبناه أحمد أمين فنحن نوافقه في شطره الثاني الذي أبرز فيه سلامة المنهج وتطور الرؤية,وما أفرزته الصحوة من روح التسامح للأتجاهات كافة كي تعبر عن تياراتها السياسية والاجتماعية والثقافية.
أما مقولته في توظيف بني العباس التاريخ لخدمة دعوتهم لتشويه أسلافهم الأمويين والغض عن نقائص الأسرة العباسية,فالمعول عليه في هذا الصدد طبيعة النظام السابق الذي استهدفه النقد,وكذا مآثر النظام الجديد الذي قرظه المؤرخون.ولاحاجة بنا لاجترار ما سبق تفصيله عن مفاسد النظام الأموي الذي سادته"الإقطاعية".كذلك لا يمكن إنكار ما أنجزه النظام الجديد من نقله تاريخية صادقة لم يدخلها الأغراض ولا غايات السياسية لأن هذا النظام بالذات قد أعطي مساحة كبيرة من الحرية  لعلماء الإسلام أن يقوموا بواجباتهم الدينية والعلمية دون أن يكون له عليهم نفوذاً لأن ذلك كان تحت سمع وبصر جماهير الشعب وعامة أمة الإسلام الأمر الذي كان حائل صخرة ضد أي محاولة لإختراق عملية النهوض بمحفوظات الإسلام من كتاب وسنة علي عكس ما ذهب إليه لاكوست وتابعه الصعلوك صبحي منصور

اقرأ بعده 7

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق